كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وهذا الحديث الصحيح صريح في أن النَّبي صلى الله عليه وسلم سن الطواف بين الصفا والمروة أي فرضه باسنة، وقد أجابت عائشة عما يقال: إن رفع الجناح في قوله: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158] ينافي كونه فرضًا بأن ذلك نزل في قوم، تحرجوا من السعي بين الصفا والمروة، وظنوا أن ذلك لا يجوز لهم، فنزلت الآية مبينة أن ما ظنوه من الحرج في ذلك منفي.
وقد تقرر في الأصول أن النص الوارد في جواب سؤال لا مفهوم مخالفة له، كما سيأتي إيضاحه إن شاء الله في هذه المسألة. وقال ابن حجر في: فتح الباري في الكلام على هذا الحديث:
تنبيه:
قول عائشة رضي الله عنها: «سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بين الصفا والمروة» أي فرضه بالسنة، وليس مرادها نفي فرضيته، ويؤيده قولها: «لم يتم الله حج أحدكم، ولا عمرته ما لم يطف بينهما».
وقال مسلم رحمه الله في صحيحه: حدثنا يحيى بن يحيى، حدثنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قال: قلت لها: إني لا أظن رجلًا لو لم يطف بين الصفا والمروة ما ضَرَّهُ. قالت لم؟ قلت: لأن الله تعالى يقول: {إِنَّ الصفا والمروة مِن شَعَائِرِ الله} [البقرة: 158] إلى آخر الآية فقالت: ما أتم الله حَجَّ امرئ، ولا عمرته لم يطف بين الصفا والمروة، ولو كان كما تقول، لكان {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} الحديث، وفي رواية في صحيح مسلم، عن عروة قال: قلت لعائشة: «ما أرى على جُناحًا أن لا أتطوَّف بين الصفا والمروة، قالت لم؟ قلت: لأن الله عز وجل يقول: {إِنَّ الصفا والمروة مِن شَعَائِرِ الله} الآية فقالت: لو كان كما تقول، لكان {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} إنما أُنزل هذا في أُناس من الأنصار، كانوا إذا أهلُّوا لمناة في الجاهلية فلا يحل لهم أن يطَّوَّفوا بين الصفا والمروة، فلما قدموا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لِلحَجِّ ذكروا ذلك له، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فلعمري ما أتم الله حَجَّ من لم يطف بين الصفا والمروة» وفي رواية، عن عروة أيضًا في صحيح مسلم قال: «قلت لعائشة زوج النَّبي صلى الله عليه وسلم: ما أرى على أحد، لم يطف بين الصفا والمروة شيئًا، وما أبالي، أنْ لا أطوف بينهما.
قالت: بئس ما قلت يا ابن أختي: طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاف المسلمون، فكان سُنَّةً، وإنما كان من أَهَلَّ لمناة الطاغية، التي بالمُشَلَّلِ، لا يطوفون بين الصفا والمروة، فلما كان الإسلام سَأَلْنَا النَّبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله عز وجل: {إِنَّ الصفا والمروة مِن شَعَائِرِ الله فَمَنْ حَجَّ البيت أَوِ اعتمر فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158] ولو كانت كما تقول، لكانت فلا جناح عليه، ألا يَطَّوَّف بينهما»
. قال الزهري: فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام فأعجبه ذلك، وقال: إن هذا العلم، ولقد سمعت رجالًا من أهل العلم يقولون: إنما كان من لا يطوف بين الصفا والمروة من العرب، يقولون: إن طوافنا بين هَذَين الحجرين من أمر الجاهلية، وقال آخرون من الأنصار: إنما أُمرنا بالطواف بالبيت، ولم نؤمر به بين الصفا والمروة، فأنزل الله عز وجل: {إِنَّ الصفا والمروة مِن شَعَائِرِ الله} [البقرة: 158] قال أبو بكر بن عبد الرحمن: فأراها نزلت في هؤلاء وهؤلاء، وفي رواية في صحيح مسلم، عن عروة بن الزبير أيضًا قال: سألت عائشة. وساق الحديث بنحوه، وقال في الحديث: «فلما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن ذلك فقالوا: يا رسول الله، إنا كنَّا نَتَحرج أن نَطُوف بالصفا والمروة، فأنزل الله عز وجل: {إِنَّ الصفا والمروة مِن شَعَائِرِ الله فَمَنْ حَجَّ البيت أَوِ اعتمر فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158] قالت عائشة: قد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما فليس لأحد أن يترك الطواف بهما».
فهذه الروايات الثابتة في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها فيها الدلالة الواضحة، على أن السعي بين الصفا والمروة ركن، لابد منه، لأنك رأيت في بعض هذه الروايات الثابتة عنها في الصحيح، أنها قالت: «ما أتم الله حج امرئ، ولا عمرته لم يطف بين الصفا والمروة» وفي بعضا قالت: «فلعمري ما أتم الله حج من لم يطف بين الصفا والمروة». وفي رواية متفق عليها عنها رضي الله عنها: «قد سنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما» إلى آخر ما تقدم، من الروايات وفيها النص الصريح الصحيح، على أن السعي لابد منه وأن من لم يسع، لم يتم له حج ولا عمرة.
تنبيه:
اعلم أن ما يظنه كثير من أهل العلم، من أن حديث عائشة هذا، الدال على أن السعي لابد منه، وأنه لا يتم بدونه حج، ولا عمرة أنه موقوف عليها غير صواب، بل هو مرفوع، ومن أصرح الأدلة في ذلك أنها رتبت بالفاء في الرواية المتفق عليها قولها: فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما، على قولها: قد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، وهو صريح في أن قولها: ليس لأحد أن يترك الطواف بينهما، لأجل أنه صلى الله عليه وسلم سن الطواف بينهما، ودل هذا الترتيب بالفاء على أن مرادها بأنه سنه أنه فرضه بسنته كما جزم به ابن حجر في الفتح، مقتصرًا عليه، مستدلًا له بأنها قالت: «ما أتم الله حج امرئ ولا عمرته، لم يطف بين الصفا والمروة» فقولها: «إن النَّبي صلى الله عليه وسلم سن الطواف بينهما» وترتيبها على ذلك بالفاء قولها: فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما، وجزمها بأنه لا يتم حج ولا عمرة، إلا بذلك دليل واضح على أنها إنما أخذت ذلك مما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا برأي منها، كما ترى.
وقد تقرر في الأصول في مبحث النص الظاهر من مسالك العلة أن الفاء في الكتاب، والسنة تفيد التعليل، وكذلك هي في كلام الراوي الفقيه، فهو المرتبة الثانية بعد الوحي من كتاب، أو سنة، ثم يلي ذلك الفاء من الراوي غير الفقيه.
ومثاله في الوحي قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] أي لعلة سرقتها. وقوله تعالى: {قُلْ هُوَ أَذًى فاعتزلوا النساء فِي المحيض} [البقرة: 222] أي لعلة كون الحيض أذى.
ومثاله في كلام الراوي. حديث أنس المتفق عليه: أن يهوديًّا رض رأس جارية بين حجرين، فقيل لها: من فعل بك هذا فلا أو فلان؟ حتى سمي اليهودي، فأومات برأسها فجيء به فاعترف، فأمر به فرض رأسه بحجرين. فقول أنس في هذا الحديث الصحيح: فأمر به فرضَّ رأسه بحجرين: أي لعلة رضه رأس الجارية المذكورة، بين حجرين.
ومن أمثلة ذلك ما رواه أبو داود في سننه، عن عمران بن حصين «أن النَّبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسها فسجد سجدتين، ثم تشهد ثم سلم» اهـ. أي سجد لعلة سهوه، وكذلك قول عائشة رضي الله عنها: قد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما، أي لأجل أن النَّبي صلى الله عليه وسلم سن ذلك: أي فرضه بسنته كما تقدم إيضاحه، وإلى إفادة الفاء التعليل في كلام الشارع ثم الراوي الفقيه ثم الراوي غير الفقيه أشار في مراقي السعود بقوله في مراتب النص الظاهر:
فالفاء الشارع فالفقيه ** فغيره يتبع بالشبيه

ومن أَدلتهم على أن السعي ركن لابد منه: حديث: «إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا» وقد روي عن النَّبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس، ومن حديث حبيبة بنت أبي تجراة، ومن حديث تملك العبدرية، ومن حديث صفية بنت شيبة.
قال الزيلعي في نصب الراية: أما حديث ابن عباس، فرواه الطبراني في معجمه، ثنا محمد بن النضر الأزدي، عن معاوية بن عمرو، عن المفضل بن صدقة، عن ابن جريج، وإسماعيل بن مسلم، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرمل؟ فقال «إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا» انتهى.
وأَما حديث حبيبة بنت أَبي تجراة فرواه الشافعي، وأَحمد بن راهويه، والحاكم في المستدرك وسكت عليه، وأعله ابن عدي في الكامل بابن المؤمل، وأسند تضعيفه عن أحمد والنسائي، ووافقهم. ومن طريق أحمد الطبراني في معجمه، ومن طريق الشافعي رواه الدارقطني، ثم البيهقي في سننهما، قال الشافعي: أخبرنا عبد الله بن المؤمل العائذي، عن عمر بن عبد الرحمن بن حصين، عن عطاء بن أبي رباح، عن صفية بنت شيبة عن حبيبة بنت أبي تجراة إحدى نساء بني عبد الدار قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بين الصفا والمروة والناس بين يديه، وهو وراءهم، وهو يسعى، حتى أرى ركبتيه من شدة السعي، وهو يقول «اسعوا فإن الله تعالى كتب عليكم السعي» انتهى. وأخرجه الحاكم في المستدرك أيضًا في الفضائل، عن عبد الله بن نبيه، عن جدته صفية، عن حبيبة بنت أبي تجراة بنحوه. وسكت عنه أيضًا، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه: حدثنا محمد عن عبد الله بن المؤمل، حدثنا عبد الله بن أبي حسين عن عطاء، عن حبيبة بنت أبي تجراة، فذكره، قال أبو عمرو بن عبد البر: أخطأ ابن أبي شيبة أو شيخه في موضعين منه.
أحدهما: أنه جعل موضع ابن محيصن عبد الله بن أبي حسين، والآخر أنه أسقط صفية بنت شيبة. قال ابن القطان في كتابه: وعندي أن الوهم من عبد الله بن المؤمل فإن ابن أبي شيبة إمام كبير، وشيخه محمد بن بشر ثقة، وابن المؤمل: سيئ الحفظ، وقد اضطرب في هذا الحديث اضطرابًا كثيرًا فأسقط عطاء مرة، وابن محيصن أخرى، وصفية بنت شيبة أخرى، وأبدل ابن محيصن بابن أبي حسين أخرى، وجعل المرأة عبدرية تارة ويمنية أخرى. وفي الطواف تارة، وفي السعي بين الصفا والمروة أخرى، وكل ذلك دليل على سوء حفظه، وقلة ضبطه. والله أعلم انتهى.
طرق آخر أخرجه الدارقطني في سننه، عن ابن المبارك، أخبرني معروف بن مشكان، قال: أخبرني منصور بن عبد الرحمن، عن أمه صفية قالت: «أخبرني نسوة من بني عبد الدار اللاتي أدركن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلن: دخلنا دار ابن أبي حسين فاطلعنا من باب مقطع فرأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتد في المسعى...» إلى آخره.
قال صاحب التنقيح: إسناده صحيح ومعروف بن مشكان باني كعبة الرحمن صدوق، لا نعلم من تكلم فيه، ومنصور هذا ثقة مخرج له في الصحيحين. انتهى.
وأما حديث: تملك العبدرية فأخرجه البيهقي في سننه، والطبراني في معجمه عن مهران بن أبي عمر، ثنا سفيان، ثنا المثنى بن الصباح عن المغيرة بن حكيم، عن صفية بنت شيبة، عن تملك العبدرية: قالت: «نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا في غرفة لي بين الصفا والمروة، وهو يقول: أيها الناس إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا» انتهى. تفرد به مهران بن أبي عمر، قال البخاري: في حديثه اضطراب. وأما حديث صفية بنت شيبة فرواه الطبراني في معجمه، حدثنا محمد بن عيد الحضرمي، ثنا علي بن الحكم الأودي، ثنا حميد بن عبد الرحمن عن المثنى بن الصباح، عن المغيرة بن حكيم، عن صفية بنت شيبة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي» انتهى.
وذكر الدارقطني في علله: في هذا الحديث اضطرابًا كثيرًا. ثم قال: والصحيح قول من قال عن عمر بن محيصن، عن عطاء، عن صفية، عن حبيبة بنت أبي تجراة وهو الصواب انتهى.
وقال الحازمي في كتابه: الناسخ والمنسوخ: الوجه السادس والعشرون من وجوه الترجيحات: هو أن يكون أحد الحديثين من قول النَّبي صلى الله عليه وسلم، وهو مقارن فعله، والآخر مجرد قوله لا غير، فيكون الأول أولى بالترجيح نحو ما روته حبيبة بنت أبي تجراة، قالت: رأيت النَّبي صلى الله عليه وسلم في بطن المسيل يسعى: وهو يقول «اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي» فهو أولى من حديث: «الحج عرفة» لأنه مجرد قول. والأول قول وفعل، وفيه أيضًا إخباره عن الله أنه أوجبه علينا، فكان أولى. انتهى كلامه.
ورواه الواقدي في كتاب المغازي: حدثنا علي بن محمد بن عبيدالله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، عن منصور بن عبد الرحمن، عن أمه عن بَرَّة بنت أبي تجراة قالت: لما انتهى النَّبي صلى الله عليه وسلم إلى السعي قال «أيها الناس إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا» قالت: فسعى حتى رأيت إزاره انكشف عن فخذه. انتهى كله من نصب الراية للزيلعي.
وقد رأيته عزا لصاحب التنقيح: أن حديث صفية بنت شيبة، عن نسوة من بني عبد الدار أدركن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنهن رأينه، يطوف بين الصفا والمروة وهو يقول «إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا» أن إسناده صحيح، وهو نص في محل النزاع. والظاهر أن الإسناد المذكور صحيح كما قال. لأن معروف بن مشكان المذكور صدوق، ومنصور بن عبد الرحمن بن طلحة بن الحارث العبدري الحجبي ثقة، وهو ابن صفية بنت شيبة المذكورة.
وقال النووي في شرح المهذب: واحتج أصحابنا بحديث صفية بنت شيبة، عن نسوة من بني عبد الدار أنهن سمعن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد استقبل الناس في المسعى، وقال «يا أيها الناس اسعوا فإن السعي قد كتب عليكم» رواه الدارقطني والبيهقي بإسناد حسن. انتهى منه.
وهو نص صالح للاحتجاج في أن السعي مما كتب على الناس، ولفظة: كتب: تدل على اللزوم.
فإن قيل: حديث حبيبة المذكور في إسناده عبد الله بن المؤمل، وهو وإن كان وثقه ابن حبان وقال: يخطئ، فقد ضعفه غيره، وحديث صفية في إسناده موسى بن عبيدة، وهو ضعيف، وحديث: تملك المذكور فيه المثنى بن الصباح، وهو وإن وثقه ابن معين في رواية، فقد ضعفه جماعة. وحديث بان عباس المذكور فيه المفضل بن صدقة، وهو متروك.
فالجواب: أن رواية صفية بنت شيبة عن نسوة من بني عبد الدار عند الدارقطني والبيهقي، ليس في إسنادها شيء مما ذكر، وقد صحح إسنادها ابن الهمام في التنقيح، كما ذكره الزيلعي وحسنها النووي في شرح المهذب، والبيهقي روى حديثها المذكور من طريق الدارقطني، قال في سننه الكبرى: أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو بكر بن الحارث الفقيه قالا: ثنا علي بن عمر الحافظ، ثنا يحيى بن صاعد، ثنا الحسن بن عيسى النيسابوري، ثنا ابن المبارك، أخبرني معروف ابن مشكان، أخبرني منصور بن عبد الرحمن، حسين، فأطلعنا من باب مقطع، ورأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتد في المسعى، حتى إذا بلغ زقاق بني فلان، موضعًا قد سماه من المسعى، استقبل الناس فقال: «يا أيها الناس اسعوا فإن السعي قد كتب عليكم» انتهى منه.
فهذا الإسناد هو الذي صححه صاحب التنقيح، وحسنه النووي.
واعلم أن اختلاف الروايات في المرأة التي روت عنها صفية المذكورة هذا الحديث، لا يضر لتصريحها في رواية الدارقطني والبيهقي، هذه بأنها روت ذلك عن نسوة أدركن النَّبي صلى الله عليه وسلم. وإذن فلا مانع من أن تسمى واحدة منهن في رواية، وتسمى غيرها منهن في رواية أخرى كما لا يخفى وقال ابن حجر في فتح الباري: واحتج ابن المنذر للوجوب بحديث صفية بنت شيبة، عن حبيبة بنت أبي تجراة بكسر المثناة، وسكون الجيم بعدها راء، ثم ألف ساكنة، ثم هاء، وهي إحدى نساء بني عبد الدار، قالت: دخلت مع نسوة من قريش دار آل أبي حسين، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى وإن مئزره ليدور من شدة السعي، وسمعته يقول: «اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي» أخرجه الشافعي، وأحمد وغيرهما. وفي إسناد هذا الحديث: عبد الله بن المؤمل، وفيه ضعف، ومن ثم قال ابن المنذر: إن ثبت فهو حجة في الوجوب.
قلت: له طريق أخرى في صحيح ابن خزيمة مختصرة، وعند الطبراني عن ابن عباس كالأولى، وإذا انضمت إلى الأولى قويت.
واختلف على صفية بنت شيبة في اسم الصحابية التي أخبرتها، ويجوز أن تكون أخذته عن جماعة، فقد وقع عند الدارقطني عنها: أخبرتني نسوة من بني عبد الدار، فلا يضره الاختلاف. انتهى الغرض من كلام ابن حجر.